LOADING

Type to search

Other languages عربي

ضد القومية الإسرائيلية والفلسطينية

Traducido al árabe por un compañero

أثار الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل يوم السبت، الموافق للسابع من تشرين الأول/أكتوبر، ردًا عسكريًا فوريًا من حكومة نتنياهو، التي أعلنت حالة حرب وبدأت قصفًا ممنهجًا لقطاع غزة. وفي الوقت نفسه، وبدعم من نظام الخامنئي، استغل حزب الله هذا الوضع وأطلق عددًا من الصواريخ تجاه إسرائيل. وأسفرت هذه المواجهة حتى الآن (التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2023) عن مقتل أكثر من ألف شخص في إسرائيل وقطاع غزة، بالإضافة إلى آلاف الجرحى والمخطوفين. وستشهد الأيام والأشهر القادمة تزايد المعاناة والشقاء بين العمال في كلا الجانبين، مما سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع العامة القاسية لغالبية السكان، سواء في قطاع غزة أو بين الطبقة العاملة الفقيرة في إسرائيل.

وبالإضافة إلى أوضاع العمال الفلسطينيين المزرية، سواء داخل قطاع غزة أو تحت نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، هناك تدهور في الأوضاع المعيشية يؤثر على جميع عمال المنطقة. ويأتي هذا في أعقاب انتشار وباء كورونا واندلاع الحرب في أوكرانيا: ارتفاع أسعار المواد الخام والطاقة والمواد الغذائية.كل هذا يؤدي إلى بقاء نصف العائلات العربية في إسرائيل، وأكثر من خُمس العائلات اليهودية، وكامل سكان غزة—التي أصبحت مخيمًا كبيرًا للاجئين لا يستطيع البقاء إلا عبر المساعدات الضئيلة القادمة من الأمم المتحدة— تحت عتبة الفقر. 

ما الذي دفع حماس إلى التحرك الآن؟ بالتأكيد ليس بدافع حرصها على الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة في غزة، تلك الطبقة التي تجد نفسها، مرة أخرى، ضحية للقصف الإسرائيلي. لا يمكن فهم هذا الهجوم المفاجئ، الذي صعّد حدة هذا الصراع طويل الأمد، على أنه مجرد رد فعل شعبي غاضب ضد الاحتلال الإسرائيلي. لا يوجد ‘شعب فلسطيني’، ولا كيان متماسك من المظلومين الذين يردون ببسالة على من اعتدى عليهم. فالطبقة العاملة في غزة، التي كانت قبل أشهر قليلة (في 31 يوليو/تموز 2023) تحتج ضد نظام حماس، وضد انقطاع الكهرباء، ونقص الغذاء، والقمع الوحشي، لا تتشارك المصالح نفسها مع الأجهزة التابعة لنظام خامنئي الإيراني، ولا مع تلك الميليشيات ‘الشجاعة’ التي تتخذ من المدنيين في كلا الجانبين دروعًا بشرية. قد يؤدي الرد الإسرائيلي على الهجوم إلى إعادة رصّ الصفوف الوطنية لدى طرفي النزاع، لكنه لا يغيّر هذه الحقيقة

ولا بد من القول إن كلا الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، يمثلان قوى رجعية بامتياز. فمنذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، لم تتوقف المنطقة عن كونها قطعة أخرى على رقعة الشطرنج الإمبريالية. سرعان ما أصبحت إسرائيل بيدقًا في خدمة المصالح الأمريكية. ومنذ ذلك الحين، سواء في ظل حزب العمل بزعامة بن غوريون أو في ظل الحكومات المحافظة المتعاقبة، اتبعت إسرائيل سياسة فصل وقمع ممنهج ضد الفلسطينيين داخل حدودها وخارجها، بالإضافة إلى سياسة عسكرية وأمنية تهدف إلى صرف الانتباه عن التفاوتات الاجتماعية العميقة بين السكان اليهود. من جانبها، ظهرت الفصائل الفلسطينية المختلفة بعد الانتداب البريطاني تحت مظلة الإسلاموية القومية للإخوان المسلمين في مصر، ثم تحت المظلة العلمانية الستالينية في عهد جمال عبد الناصر، لتنتقل، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، إلى أن تكون تحت إمرة القوة الإقليمية الصاعدة، إيران. لطالما ارتبط الجهاز العسكري للقومية الفلسطينية، سواء في شكل الإسلام السياسي أو الستالينية، بأكثر المظاهر رجعية في القرن العشرين. وفي نهاية المطاف، لا يمكن أن يكون الحال غير ذلك:

قد أشارت روزا لوكسمبورغ بالفعل، أثناء مناظراتها مع لينين قبل عقود من الزمن، إلى أن أي حركة قومية يجب عليها، ظاهريًا، أن تقع تحت سيطرة إحدى القوى العظمى في الصراع الإمبريالي، وداخليًا أن تقمع كل تعبير طبقي من أجل تثبيت التماسك الداخلي ضد العدو القومي.

لأن الرجعية تولّد الرجعية الأخرى، وكلاهما يحتاج إلى الآخر. سواء كان نتنياهو على علم بهجوم حماس أم لا، سواء تجاهله أو قلل من شأنه أو قرر بشكل مباشر السماح بحدوثه، في جميع الأحوال، لم يكن من غير الملائم بالنسبة له أن يفضل رصّ الصفوف في خضم أزمة سياسية لحكومته وبينما هو مهدد بمحاكمة بتهمة الفساد

من جانب حماس وحزب الله، مثل النظام الإيراني، هناك فرصة لتخفيف الاستياء الاجتماعي المتزايد في المناطق الثلاث، الذي تجلَّى في لبنان بشعار ‘كلن يعني كلن، وحزب الله منهم’ خلال احتجاجات 2019. وكان هذا الاستياء أيضًا دافعًا للإضرابات والحراك في إيران منذ عام 2018، ثم انفجر العام الماضي في الاحتجاجات ضد فرض الحجاب بعد اغتيال مهسا أميني.

أثناء أزمتها النهائية، تدفع الرأسمالية المعاناة الاجتماعية وخراب كوكبنا إلى مستويات غير مسبوقة، مما يحفز عملية الاستقطاب الاجتماعي. ليس هذا فحسب، بل إنها تُبرز أيضًا المواجهة بين القوى العالمية المختلفة من أجل الهيمنة على السوق العالمية، التي تعاني من اختلالات وظيفية أشد من أي وقت مضى. في الوقت نفسه الذي تقوم فيه الرأسمالية بطرد العمالة وتجعل إعادة الإنتاج المادي لحياتنا أكثر صعوبة، فإنها تحولنا إلى وقود للمدافع في خدمة مصالح فئة من الطبقة البرجوازية ضد فئة أخرى. ووفقًا لمنطق الصراع بين القوى الإمبريالية، تصرفت حماس بهدف نسف التقارب بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وعرقلة تشكيل إقليمي جديد يتماشى مع التوترات بين الكتل الإمبريالية. وتحت راية “المقاومة الفلسطينية”، فإنها ببساطة تستجيب للضرورات التي تفرضها مصالح جزء من البرجوازية الإقليمية. ومع ذلك، ستبقى الدماء المهدورة دماء الطبقات العاملة في إسرائيل وفلسطين. لذلك، فإن أي تنازل للعقيدة القومية، وأي تفضيل لأمة على حساب أخرى في هذه العملية، يعني ضمنيًا وضع نفسك في الصف المقابل في الحرب ضد طبقتنا، التي لا وطن لها، والتي لا سبيل لها إلى تحسين أوضاعها المعيشية إلا بوضع حد لهذا النظام الذي يهدد بقاءها. حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني لا يكمن في دولة واحدة ثنائية القومية، ولا في دستور دولة فلسطينية مستقلة.الحل الوحيد يكمن في عملية ثورية تتجاوز كل دولة وكل حدود.


عندما نعجز عن النوم بسبب أصوات الإنذار المنبهة لقدوم هلاكنا من السماء، وعندما تحتجز الأجهزة العسكرية الإسرائيلية والفلسطينية السكان كرهائن وتخضعهم للقصف المتواصل، وقتها نعلم أننا، كثوريين، يجب أن نعارض هذه الهمجية بكل ما أوتينا من قوة. في مواجهة كافة الشعارات، الأعلام والرموز القومية، ندعو إلى النضال المشترك للعمال الفلسطينيين والإسرائيليين. ففي النهاية، يبقى عدو الإسرائيليين الأكبر هو الدولة اليهودية، بينما السلطة الوطنية الفلسطينية وتنظيم حماس هما عدو الفلسطينيين. لن يتمكن أحدنا من الخروج من هذه المتاهة الجهنمية إلا بمواجهتهم مباشرة. باختصار، لا خيار في مواجهة الحرب الإمبريالية إلا عن طريق تحويلها إلى حرب طبقية.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *